الرعاية الصحية والنفسية في فترة النفاس بعد الإجهاض
تحتاج المرأة في فترة النِفاس لرعاية صحية ونفسية وتغذية جيدة وكذلك المتابعة مع الطبيب، لكن يختلف النِفاس بعد الولادة عن النِفاس بعد الإجهاض. سنتناول في هذا المقال فترة النِفاس بعد الإجهاض، وما يتطلبه ذلك من رعاية صحية وجسدية، إضافة إلى الإرشادات الطبية الهامة خلال هذه المرحلة الحرجة، وسبل العناية النفسية اللازمة لدعم المرأة في تجاوز هذه التجربة.
أولًا: ما هو الإجهاض؟
يحدث الإجهاض بشكل تلقائي لوجود عدة أسباب مثل عدم اكتمال نمو الجنين طبيعيًا وغالبًا ما يحدث خلال الشهور الثلاثة الأولى أي قبل الأسبوع العشرين. كما يمكن أن يكون الإجهاض مقصودًا بتدخل طبي، وهو ما يُعرف بالإجهاض المتعمد، ويحدث أحيانًا لأسباب طبية، مثل إنقاذ حياة المرأة أو اكتشاف تشوهات خطيرة في الجنين. أما في المراحل المتقدمة من الحمل، فقد يحدث الإجهاض بسبب مشاكل في عنق الرحم، مثل عدم كفاءة عنق الرحم (Incompetent Cervix). حيث أن في الوضع الطبيعي، يظل عنق الرحم مغلقًا خلال الحمل ثم يبدأ بالانفتاح تدريجيًا عند اقتراب الولادة. ولكن في بعض الحالات، قد ينفتح عنق الرحم مبكرًا قبل أن يكون الجنين مستعدًا للخروج، مما يؤدي إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة. هناك أيضًا أمراض مناعية قد تسبب الإجهاض، مثل متلازمة الأجسام المضادة للفوسفوليبيد (Antiphospholipid Syndrome - APS). في هذه الحالة، يهاجم جهاز المناعة عن طريق الخطأ خلايا الجسم، مما يؤدي إلى تجلطات دموية قد تمنع وصول الأكسجين والغذاء إلى الجنين عبر المشيمة. غالبًا الأشخاص المصابون بهذه المتلازمة يحتاجون إلى تناول أدوية مميعة للدم لتقليل خطر حدوث الجلطات والإجهاض المتكرر. إلى جانب هذه الأسباب الطبية، قد يحدث الإجهاض أيضًا بسبب عوامل خارجية، مثل التعرض لحادث أو صدمة قوية تؤثر على الرحم.
ثانيًا: مدة فترة النِفاس بعد الإجهاض
تختلف مدة النفاس بعد الإجهاض من امرأة لأخرى، وأحيانًا من حمل لآخر. في معظم الحالات، يحتاج الجسم حوالي أسبوعين للتخلص من بقايا أنسجة الحمل بشكل طبيعي. إذا كان هناك حاجة لتسريع العملية، قد يصف الطبيب دواءً يساعد على تحفيز انقباض الرحم، وبعد ذلك قد يستمر النزيف لأيام قليلة أو يمتد حتى أسبوعين حسب استجابة الجسم. عند بدء الإجهاض، يكون النزيف غزيرًا في الساعات الأولى، وعادةً ما يستمر خروج الأنسجة بكثافة لمدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس ساعات. بعد ذلك، قد يستمر نزول بقع دم خفيفة وإفرازات متقطعة لمدة تصل إلى أسبوع أو أسبوعين قبل أن يعود الجسم إلى طبيعته.
ثالثًا: الرعاية الصحية في فترة النِفاس بعد الإجهاض
تشمل الرعاية الصحية بعد الإجهاض ما يلي:
المتابعة المستمرة مع الطبيب في فترة النِفاس بعد الإجهاض
لا يمكن التأكد من أن جميع أنسجة الحمل في الرحم قد نزلت إلا من خلال استشارة الطبيب والفحوصات لذلك تُعد زيارة الطبيب أمر ضروري للغاية وتشمل التالي:
- فحص الطبيب الرحم باستخدام التصوير بالأشعة فوق الصوتية حتى يتأكد من نزول جميع أنسجة الحمل.
- وصف الطبيب بعض الأدوية التي سوف تساعد في التخلص من باقي أنسجة الحمل عند استمرار النزيف لمدة أسبوعين بشكل متواصل.
- اللجوء إلى إجراء عملية تنظيف للرحم وتسمى عملية توسيع وكحت الرحم (عملية كورتاج الرحم). لكن تتم هذه العملية من خلال الطبيب في حال عدم نجاح تنظيف الرحم بطريقته الطبيعية وكذلك عدم نجاح الادوية في ذلك.
التعامل مع احتقان الثدي بعد الإجهاض
قد تعاني بعض النساء من احتقان الثدي بعد الإجهاض بسبب استمرار إنتاج الحليب، لكن هذه الحالة تزول تلقائيًا خلال بضعة أيام. يمكن تخفيف الأعراض من خلال بعض الإجراءات البسيطة، مثل:
- استخدام الكمادات الدافئة أو الاستحمام بالماء الدافئ يمكن أن يساعد الوقوف تحت دش دافئ أو الجلوس في حمام دافئ على تخفيف احتقان الثدي، حيث يساعد الماء الدافئ المتدفق على الظهر أو حول الثديين في تحفيز نزول الحليب وتقليل الشعور بالاحتقان. لكن يُفضل عدم استخدام الحرارة لفترات طويلة، لأنها قد تؤدي إلى زيادة التورم والالتهاب، لذا يكفي استخدامها لبضع دقائق فقط للحصول على الفائدة دون آثار سلبية.
- وضع كمادات باردة بعد التفريغ أو بين الفترات لتخفيف التورم وتقليل الألم.
- تناول مسكنات الألم الخفيفة مثل الباراسيتامول (Paracetamol) أو الإيبوبروفين (Ibuprofen) عند الحاجة لتخفيف الألم والالتهاب.
- تفريغ كمية صغيرة من الحليب يدويًا أو باستخدام مضخة فقط للتخفيف من الاحتقان، ولكن دون تفريغ كامل، لأن ذلك قد يحفز الجسم على إنتاج المزيد من الحليب.
- تجنب التدليك القوي للثدي، لأنه قد يؤدي إلى تلف الأنسجة أو زيادة خطر الإصابة بالتهابات.
تجفيف الحليب دوائيًا
في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب بأدوية تقلل إنتاج الحليب. أحد أكثر الأدوية شيوعًا هو كابيرجولين (Cabergoline)، وهو دواء يعمل على تثبيط إفراز هرمون البرولاكتين المسؤول عن إنتاج الحليب. يتم وصفه بعد الإجهاض أو وفاة الجنين للمساعدة في إيقاف إفراز الحليب وتخفيف الاحتقان.
طريقة الاستخدام والتحذيرات
يتم استخدام كابيرجولين (Cabergoline) فقط إذا وصفه الطبيب، وتكون الجرعة الموصى بها 1 ملغ عن طريق الفم، تُؤخذ خلال أول 24 ساعة بعد الإجهاض. يُمنع استخدامه لدى النساء المصابات بارتفاع ضغط الدم، لأنه قد يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في الضغط ومضاعفات خطيرة.
تعليمات الطبيب في فترة النِفاس بعد الإجهاض
لكي يحصل التعافي الكامل للرحم ولا تحدث مضاعفات يجب اتباع تعليمات الطبيب والتي تشمل التالي:
- الراحة وتجنب الحركة الكثيرة أو بذل مجهود شاق لفترة من 4 إلى 6 أسابيع.
- تدليك البطن لتقليل ألم فترة النِفاس بعد الإجهاض وكذلك تدليك الظهر مما يساعد في نزول أنسجة الرحم بشكل طبيعي.
- استخدام كمادات باردة لتخفيف ألم الثدي.
- تناول المسكنات التي وصفها لك الطبيب.
- اتباع تعليمات الطبيب لتجنب التهاب الرحم عبر تناول المضادات الحيوية.
- تجنب ممارسة السباحة حتى لا تحدث عدوى أو التهاب في الرحم حيث أن الرحم يحتاج للوقت لكي يغلق في فترة النِفاس بعد الإجهاض.
- تجنب الجماع واستخدام وسائل منع الحمل بعد استشارة الطبيب.
- تناول طعام صحي متوازن والتغذية السليمة.
متى يمكن الحمل مرة أخرى بعد الإجهاض؟
لا يوجد وقت محدد يجب الالتزام به قبل محاولة الحمل مرة أخرى، لكن ينصح الأطباء بالانتظار لعدة أشهر لإعطاء الجسم فرصة للتعافي وزيادة احتمالية نجاح الحمل القادم. فالحمل قبل أن يكون الجسم مستعدًا قد يزيد من خطر تكرار الإجهاض، حيث يحتاج الرحم إلى وقت ليستعيد قوته، وتصبح بطانته جاهزة لدعم الحمل الجديد. من الناحية الطبية، إذا لم تكن هناك مشاكل صحية تستدعي الفحص أو العلاج، فمن الممكن محاولة الحمل بعد دورتين أو ثلاث دورات شهرية منتظمة. بعض الأطباء ينصحون بالانتظار لفترة تصل إلى ستة أشهر أو أكثر لمنح المرأة فرصة للتعافي جسديًا وعاطفيًا، بينما يرى آخرون أنه لا داعي للانتظار طويلًا إذا كانت المرأة مستعدة جسديًا ونفسيًا للحمل.
مضاعفات في فترة النِفاس بعد الإجهاض يجب زيارة الطبيب فور حدوثها
يجب المتابعة المستمرة مع الطبيب وكذلك يجب عدم إهمال النزيف ومتابعته باستمرار وفي حال حدوث التغيرات التالية يجب استشارة طبيبك في أسرع وقت:
- حدوث نزيف بشكل كبير والحاجة لتغيير الفوطة كل ساعة لمدة ثلاث ساعات متتالية وكذلك في حالة استمرار النزيف لأكثر من أسبوعين.
- تعرض للإغماء وفقدان الوعي.
- وجود ألم شديد لا يحتمل ولا يستجيب للمسكنات في منطقة الظهر والبطن معًا.
- ارتفاع درجة حرارة الجسم حيث إنها تتعدى 38 درجة.
- تغير في الإفرازات المهبلية حيث تصبح ذات لون أصفر أو أخضر مع رائحة كريهة.
- الإحساس بوجود التهابات أو احتقان.
- عدم نزول الدورة الشهرية حتى بعد مرور 6 أسابيع على الإجهاض.
رابعًا: الرعاية النفسية في فترة النِفاس بعد الإجهاض
لا تقتصر الرعاية في فترة النِفاس بعد الإجهاض على الرعاية الصحية والجسدية فقط بل يجب الإهتمام بالرعاية النفسية كالتالي:
- طلب الدعم من العائلة والأصدقاء.
- مشاركة شريك حياتك أفكارك ومشاعرك.
- تقبل الأمر ومقاومة الشعور بالحزن.
- المتابعة مع طبيب نفسي للتخلص من شعور القلق والتوتر أو الشعور بالذنب والندم في فترة النفاس بعد الإجهاض.
بعض النساء قد يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بعد الإجهاض، خاصة إذا كان مفاجئًا أو مؤلمًا. من المهم إعطاء النفس الوقت الكافي للتعافي قبل محاولة الحمل مجددًا، لأن الاستعداد النفسي يقلل من القلق والتوتر المرتبط بتجربة الإجهاض السابقة، ويزيد من فرص الحمل الصحي مستقبلًا. خلال هذه المرحلة، يمكنكِ اتباع بعض الخطوات لمساعدتكِ على التأقلم والتعافي:
- تواصلي مع من تثقين بهم، واطلبي منهم التفهم والدعم العاطفي.
- لا تترددي في استشارة مختص نفسي، فالمتابعة مع أخصائي قد تساعدكِ أنتِ وشريككِ على التعامل مع مشاعركما بطريقة سليمة.
- اسمحي لنفسكِ بالحزن والتعبير عن مشاعركِ دون شعور بالذنب، وتأكدي أن منح نفسكِ الفرصة للتذكر والتعامل مع التجربة يساعدكِ على تجاوزها بشكل صحي.
في النهاية، فترة النِفاس بعد الإجهاض هي فترة حساسة تحتاج للرعاية الصحية والنفسية واستشارة الطبيب لكي يتعافى الرحم والجسم بشكل طبيعي صحي دون حدوث مضاعفات.
نصائح نفاس
احرصي على تناول الأطعمة الغنية بالحديد مثل اللحوم الحمراء والخضروات الورقية والعدس لتعويض الدم المفقود بعد الإجهاض. كما ننصحكِ بتناول فيتامين C الموجود في الحمضيات والفلفل الملون لتحسين امتصاص الحديد. لا تنسي شرب كميات كافية من الماء والسوائل الدافئة، وتجنبي المشروبات الغازية والكافيين التي قد تزيد من جفاف الجسم. استشيري طبيبكِ حول المكملات الغذائية المناسبة لحالتكِ خلال هذه الفترة.
الأسئلة الشائعة
كم تستمر فترة النزيف بعد الإجهاض؟
عادةً يستمر النزيف من أسبوع إلى أسبوعين، وقد يكون غزيرًا في الأيام الأولى ثم يخف تدريجيًا. إذا استمر النزيف أكثر من أسبوعين أو كان غزيرًا جدًا، يجب استشارة الطبيب فورًا.
متى يمكنني ممارسة العلاقة الزوجية بعد الإجهاض؟
يُنصح بالانتظار لمدة أسبوعين على الأقل أو حتى يتوقف النزيف تمامًا، ويجب استخدام وسيلة لمنع الحمل إذا لم تكوني مستعدة للحمل مرة أخرى.
كيف أتعامل مع احتقان الثدي بعد الإجهاض؟
يمكن استخدام كمادات باردة، ارتداء حمالة صدر داعمة، وتجنب تحفيز الثدي. إذا كان الاحتقان شديدًا، قد يصف الطبيب أدوية لتجفيف الحليب.
متى تعود الدورة الشهرية بعد الإجهاض؟
تعود الدورة الشهرية عادةً خلال 4-6 أسابيع بعد الإجهاض. إذا لم تأتِ الدورة بعد 6 أسابيع، يجب استشارة الطبيب.
ما هي الأطعمة التي تساعد في التعافي بعد الإجهاض؟
الأطعمة الغنية بالحديد (مثل اللحوم والخضروات الورقية)، البروتينات، والأطعمة الغنية بفيتامين ج لتحسين امتصاص الحديد. كما يجب شرب الكثير من السوائل.
متى يمكنني محاولة الحمل مرة أخرى بعد الإجهاض؟
يوصي معظم الأطباء بالانتظار لمدة 2-3 دورات شهرية على الأقل لإعطاء الجسم وقتًا للتعافي، لكن الأفضل استشارة طبيبكِ للحصول على نصيحة شخصية.
ما هي علامات العدوى التي يجب الانتباه لها؟
الحمى فوق 38 درجة، إفرازات ذات رائحة كريهة، ألم شديد في البطن لا يتحسن بالمسكنات، أو نزيف غزير جدًا (تغيير الفوطة كل ساعة).
كيف أتعامل مع الحزن والاكتئاب بعد الإجهاض؟
من الطبيعي الشعور بالحزن. تحدثي عن مشاعركِ مع شخص مقرب، خصصي وقتًا للراحة والعناية بنفسكِ، ولا تترددي في طلب المساعدة النفسية إذا استمر الحزن لفترة طويلة.